الجمعة، 29 أكتوبر 2010

المسافرة التي لا ترحل أبداً ..





لم أكن بحاجة إليك لتضيف إلى عُقدي قلقاً آخر .. والذي تمثل بكل عنفوانية بـ ( حضورك الغائب )
كنت طفلة الدهشة .. تلك التي تُحال الأشياء بملامسة اصابعها إلى بالون ملون و إيمان بجمالية الأشياء .. مهما صغر حجمها ولو كانت " نافذة برتقالية تطل على نهرٍ أزرق "
وقفت في محطات الانتظار قبلك و لم يكن القطار ليفوتني مرة و لم تكن الورود لتذبل قبل ان تصلني .. و لم تشتك ساعات المحطة من عتبي عليها.
ووحدك فقط من علّمتني أبجديات الانتظار وزد عليها اصطناع ابتسامة معجونة من نار الخيبة !انتظرتك طويلاً .. و المضحك إنك في كل مرة كنت تأتي و لم تخلف الموعد يوماً .. المحزن إننا في كل مرة نكتفي بالسلام و نجلس على أحد كراسي الانتظار ، نتبادل أطراف حديث باهت ، بعدها تشعل سيجارتك الملعونة في إشارة صامتة إنك " بدءت تنشغل " نجلس مطولاً في هيبة الصمت .. يفوتنا القطار و يأتي آخر ، تتوالى الرحلات .. وانت مازلت منشغلاً بالفراغ و أنا انشغل بملامح العابرين .. أشاغب طفلة على قطعة حلوى، استرق السمع إلى نجوى عاشقين أحدهم راحل والآخر أيضاَ راحل وكلاً لوجهته يهيم, اُلفت نظر شاب عابث .. التصق بك لاإرادياً .. اسحب السيجارة من بين يديك المسكينة لفظت أنفاسها الأخيرة و ما انتبهت لها .. نتبادل حديثاً قصيراً ، ثم تدخل في ملكوت الصمت ، صادفت ذات انتظار أمرأة مسنة تحادثنا قليلاً ثم " دست في يدي وريقة صغيرة " نظرت إليك .. على بُعد عدّة كراسي – عادتنا نقرأ كل شيء .. كل شيء معاً – ولكنك مشغول !! انتبهتْ إلى نظرتي فضغطت على يدي بحنان مبالغ فيه .. فوعدتها على عجل أن أقرأها في وقت لاحق.
في إحدى الأيام .. صادفتك على الموعد هناك .. كان الوقت بعد الفجر مازلت اذكر الخيط الأبيض وخيوط الشمس تتثائب لتغزل خيوطها عليه .. كانت يدك باردة بشكل مُريب .. تغلغلت أصابعك بي وكأني القشة الأخيرة و كأنك أول غارقِ على وجه البحر، همست بشكل أكثر ريبة . كنت ترتاب ولا أعرف مما ؟! ولكنك تعرف تماماَ بأني والموت نتحالف إذا ما وخزتك شوكة! ^
- علينا أن نرحل هذه المرة ! ولو لمرة .!
- سـ نرحل.
- أمتأكدة.. ؟!
- أكيدة ..
ابتسمت أنت و آه لو تدري بوقع تلك الخجولة على صدري .!
و آمنتُ بك .. كما كل ضياع تأخذني إليه .. فلاتردني إلى الأرض ولاتصعد بي إلى السماء ..
بدأ العابرون بالعبور .. وبدأت الحقائب محملة بالحنين و الهروب و الذكريات ..
شددت علي يدي في إشارة صامتة .. أن نرحل ! أن نتوه ولانعود ! ولكنها فرّت من عيني .. لم يكن توقيتها كتوقيت تفاحة نيوتن مُفيدٌ للبشرية .. بل هي وجعي و خذلاني .. و أنا .. ألستُ بشرية !؟
لم أعد اذكر تفاصيل ماحدث بعد تلك الدمعة التي اغرقت المحطة ... فقط اذكر طيفك وهو يرحل ملوحٍ بموعدِ قادم .. اخرجتُ الوريقة الصغيرة في محاولة عابثة أن أنسى فكرة اللحاق بك وضمك إلى قلبي .. فوجدت :
" أيتُها المسافرة التي لا ترحل أبداً .. لا تكفي عن حُب العجوز العشريني .. فهو يُحبك "

,

هناك تعليق واحد:

  1. رائعٌ ماقرأته هنا.. رائعٌ ومُدهش..أستأذنك في نشر بعض هذه النصوص بصفحتنا (تجلّيات الإبداع الأدبي.. أصالة ومعاصرة).. وأدعوك لزيارة المجموعة والإسهام بكتاباتك في إثراء هذه المجموعة وتعزيز رسالتها بنشر الإبداع الراقي. خالص تحياتي.

    ردحذف